المقامة المصرية

بقلم: عمر أيمن

بينما كنت قافلاً من البيت الحرام مع صديقي أبي هشام وقد تعبنا من طول الصيام، فنزلنا بمصر بلاد الكِرام. فما كدنا نصل حتى سمعنا صوت الآذان ينادينا للقيام، فذهبنا لنصلي صلاة الصبح، ثم جلسنا تحت ظل الدوح.

فغططت في نوم عميق، ولكني عندما استيقظت لم أجد ذلك الصديق، وإنما وجدت كتيبة من الشحاذين وكانوا جميعا ملثمين. فتقدم منهم شخصٌ قد بدا عليه جور الدهر، وكان علي شفا حفرةٍ من القبر، فقد شق الكدح طريقه في وجهه، ومحا الابتسامة من ثغره.

فأنشد الرجل قائلا "فرعون قد رق لحالي فلا يضن علي بالرخيص والغالي وحسبي منه لحمٌ ورغيف، وقميصٌ نظيف، وفاكهةٌ حديثة القطيف، وماءٌ طريف، يمر علي القلب خفيفاً، فلا أريد أن أشط علي من كان معي كريماً".

فأوجست منهم ولكني نفضت رداء الخوف فتجلدت و قلت "ارحل فإني لست فرعون، ولست على الدهر عوناً، فاذهب وجد شخصًا يمن عليك بالبدرة، فإني والله لأبخل عليك بالذرة، وإن لم تذهب لعبقت بك المعرة، ولسالت من عينك العبرة." فشقت الابتسامة طريقها وسط الجف، ولكن سرعان ما انهالت علي الأكف. وذقت من النعال ما لذ وطاب، فمنها ما أخطأ ومنها ما أصاب! فما عصمني عنهم سوي مجئ القوم.

وبعدما انفض المجلس عن أهله وذهب كل شخصٍ لحاله، تذكرت أبا هشام فهرعت إلي حقيبتنا لعلي أجد مسوغًا لفعلته، فقد تخلى عني في محنتي وتركني في شدتي فما وجدت فيها سوي ورقة قد كتب عليها البيتين التاليين:-

ويحـك هــذا الزمـــان زور     فلا يغرنك الغرور

 لا تلتزم حالةً ولكن در    بالليـالي كما تـدور