تجربة - قصة قصيرة

بقلم: عمر أيمن

(هذه قصة إنجليزية أدبية، وقد حرفت فيها دون الإخلال بعناصرها الأساسية، وهي من كتاب: 'مائة قصة من الأدب الإنجليزي'-  لمحمد السباعي.)


جلست في بيتي الصغير تحت ظل القمر المنير أننتظر أصدقائي القدامى، وكلي شوقٌ لأرى من منهم قد أصبح طويل القامة، وأيهم اسمرت بشرته، واتسعت جبهته، وأيهم تتهتك قده، وفض فوه، وعقرت حنجرته.

فما كدت أطلق العنان لأفكاري، حتي أقبل الأربعة علي داري، فقمت لأستقبلهم، فدخلوا الواحد تلو الآخر، وسرعان ما جلس كل في مقعده، وبدأنا نتبادل أطراف الحديث...


سألت حسين عن عمله ومصدر رزقه؛ فقال لي: "أنا تاجرٌ غني"،  فأكمل محمد متهكمًا: "علي الفقراء غير سخي!" فزدت عليه قائلًا: "وفي الطريق شحاذٌ ساساني!"

فرد أحمد قائلا: "كلا، فولله لقد تصدقت هذا الأسبوع بثلاث من المري ولحمٍ بقري، وبرزقي أنا هني، ولتخبرنا عن نفسك أيها الجندي!"

فقال محمدٌ: "أنا جندي ذكي أحمي البلاد من خطر الحانق المعتدي."

فقال له عمر: "يا مغتصب الأراضي! إفعل الخير فما لك من دونه من شيءٍ باقي!"

فقلت لعمر: "وماذا عنك أيها السياسي؟"

فقال لي: "إني أبغض النظام الحالي وأطمح إلي تفتيته حتي يصبح كالرماد البالي!"

وهنا تدخلت مريم قائلًة: "كما تدين تدان يا من تحلم بقمع الإنسان، وتريد محو قيم النظام والإحترام وسترغم الناس علي الثورة والإنتقام، وستتعرض البلاد بسببك للنزاع والإنفصام!"

فما لبثت أن قطعت الحديث متسائلًا: "ألم تفكروا في سبب هذه الدعوة بعد القطيعة؟"
فقالوا: "ولما يا صاحب الفضيلة؟"

فقلت: "لقد توصلت إلي ما يتوق الأمراء لتجرعه، وعجز العلماء عن صنعه، ألا وهو إكسير الحياة، الذي بفضله تدب الحياة في الفلاة.."

فقالت لي مريم في فتور: "أوتدب الحياة في من في القبور!"

فقلت: "أوتقتنعون إذا جئتكم بالبرهان المبين وقطعت الشك باليقين!؟"

فقالوا: "ولله لنكونن من المصدقين!"

فجئت بزهرة قد أهدتها لي زوجي منذ سنين، وصببت عليها بعض القترات، فعادت الحياة إلي الزهرة، فبهتوا جميعا وقالوا لي "لتُعد الكرة!"

فقلت لهم: "ولما لا تجربونه أنتم هذه المرة؟"

فترددوا حينًا وفكروا قليلا، ثم وافقوا أخيرًا؛ فملأت لهم أربعة أكواب، وقلت لهم "لا تعودوا إلي التفاهات".

وبعدما شربوا من الشباب أقداحًا، عاد الشيوخ شبابًا، واستحال الفتور حماسًا، وعاد لكل منهم قوامٌ، كان بالأمس خيالًا؛ فنظر الجميع إلي الأمام، وسرعان ما أحكم شبح الظلام علي لجام طموحاتهم تمامًا، فطهر النوي مما قد يكون للبشرية نفاعًا؛ فما بقي في عقولهم شيء إلا كان للحضارة هدامًا..

فقال التاجر في نفسه: "والله إني لأنوي شراءً، وسأريهم ما يسمونه إحتكارًا، وما هذا إلا ذكاء تاجرٍ ذو خبرة تزيد علي الستين!"

والآن حان الدور الباقين، وما منهم إلا وكان ذو مخططٍ دنئ، ولنبدأ بذلك الرجل القمئ، الذي لو مكن في الأرض لخاض فيها وفعل ما لا يجوز، ولقتل كل معارضٍ أشابًا كان أم عجوز، ولعاش الناس في ظل حكمه في كابوس، ولاحتار الناس أكان من المسلمين أم المجوس!

وأما عن ذلك الجندي، وكان أكثر إيمانًا من ذلك التاجر الغني، وذلك المجوسي فحسبه قمع الملايين، وتعذيب المساجين، ولا مانع من قتل بعض المساكين، وسيكون بمثابة الظلام المبين، الذي سيهيمن علي البلاد لسنين..

ما عن تلك الحسناء ذات الوجه الأصفي من الماء، والبنية الهيفاء، والقامة الممشوقة - فكم مرة دعت للإنضمام إلي الجوقة؛ ولا يمكن أن ننسي العينين الزرقاوين، اللتين تشعان كعيون الغزلان، وكأن الله قد قسم الجمال إلى قسمين، فوهبها أحدهما، ووهب الآخر لباقي الأنام. فيال حظ ذلك الإنسان الذي أصبح جماله موضعا للإبهام. فإذا عادت لها تلك الهيئة فستتمكن ببعض المكر والدهاء من سرقة بعض الأغبياء، كما كانت تفعل في صباها مع الصبية البلهاء - فكم مرة استخدمت حسنها في سرقة الحلواء؛ أما الآن فلديها من الخبرة والدهاء ما يمكنها من تحويل الجنة إلي بيداء.

وهكذا حادوا جميعًا عن قسمهم وفرطوا في عهودهم، فعادوا علي مقربةٍ من القبور وعاد إليهم الضعف والفتور..

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق