الريف والحضر – وأيهما ستختار؟

بقلم: عبد الرحمن ياســر


إذا تحدثنا عن الريف فإننا نتحدث عن الهدوء والسلام، عن الراحة والجمال؛ فالطبيعة الخلابة تأسر الحواس والعقول. فما أجمل الأراضي المنبسطة الخضراء، وما أنقى نسمات الصبا اللعوب التي تداعب الجسد، وما أصفى جداول المياه العذبة التي تشق مجراها وسط الحقول الشاسعة؛ فلطالما كان حديث الشعراء ومحبي الجمال..

ولما لا يكون جميلًا وهو أرض الخير والحُب؟ فجميع الرزق في تربه من الأثمار والحَب. ويكفى أنه بعيدٌ عن الحضرِ ومصانعهِ وضوضاءه. فلا يعقل أنه يمكن لإنسان سويٍّ محب للجَمال وراحة البال أن ينام في وحدات سكنية مكتظة بالبشر والعشرات يجلسون وينامون حوله – وكأن كل هؤلاء يعيشون في بيت واحد لا تفصل بينهم سوى بعض الحوائط، لا هي تمنح خصوصيةً أو راحةً بل تُقيِّد الشخص وتضعه في بيوت كخلايا النحل.


وكيف لصدره ألا يضيق وأعمدة من الأدخنة المتصاعدة تكمم أنفه وتطغى على الهواء النظيف؟ فمن يسعه أن يذر الجمال والنقاء ويقنع بحياة لا تكفل له حق تنفس هواء نقي، أو حق الانطلاق والتحرر، بل تضعه في غرف مغلقة، وتوفر له أغذية معلبة، ومنتجات باهظة الثمن أنتجت من خيرات الريف الوفيرة، ومراعيه الخضراء، وصنعت من أنعامه وثمره.

فحقًا ما رضيت بحياة مثلها ولو عشت بقصور تحيطها الأسوار، وزينت بأشياء سميت بـأشجار - لكنها في حقيقة الأمر ليست بأشجار مقارنة بدوّح الريف، بل أوراقٌ بلاستيكية صنعت ولصقت على جذوع ليست بخشب. ولا أرضى بقصور توفرت بها كل وسائل الرفاهية، وطعام مصنع، وشراب بالثلج مشعشع؛ ولفضلت زبدًا طازجًا، وحليبًا دافئًا، وثمارًا شهية، ومياهًا سائغة نقية، تنبع من أرض ريف وهبه الله الجمال وميزه عن حضر همجي اختلقه الإنسان.

وكتجربة في واقع حياتي، أعيش – مع الأسف – في المدينة، لكنني عُوِّدت منذ صغري على زيارة الريف، فانطلقت منذ مهدي في أراضيه الواسعة، وجلست تحت ظلال أشجاره، فأكلت من خيره، وعشت في رحابه. ولطالما فضلت أيامًا في ريفٍ هادئ على أشهر في حضر هائج، لا يسكن فيه شيئ، ولا تخفت فيه أضواء ولو كان لي به مئات الأصدقاء..

فحقًا، ما أجمل الريف من مكان، وما أكرم أهله من أهل، أهل الجود والإكرام، أهل الود والإحسان..

***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق